تكنولوجيا / نبض

التقنية جمهورية أم ديمقراطية | كيف ستحدد الانتخابات ملامح مستقبلها

التقنية جمهورية أم ديمقراطية | كيف ستحدد الانتخابات ملامح مستقبلها

في عالم متعدد الألوان، نجد أنفسنا محاطين بمن يرون الحياة بعدسات ثنائية اللون فقط. تثير هذه النظرة المحدودة في داخلي صراعًا، إذ أرى الوجود بعين أكثر شمولية؛ كلوحة رمادية واسعة تحتضن البشرية جمعاء بمليارات التدرجات. فنحن لسنا ملائكة خالصة ولا شياطين محضة، بل مزيج فريد من الخير والشر، وهذا ما يجعلنا بشرًا.

قد يهمك أيضًا:

هذه الثنائية تتجلى في عالم السياسة والاقتصاد؛ إذ تتصارع الرأسمالية والاشتراكية كقطبين متناقضين. لكن الحقيقة أن كلا النظامين، بمفرده، قاصر عن تحقيق التوازن المنشود. فالرأسمالية، بقوتها الاستثمارية، ضرورية لبناء اقتصاد متين، بينما الاشتراكية ترغب في توفير الحقوق الأساسية للإنسان وكذلك المساواة بين البشر.

بغض النظر عن فشل الاشتراكية في إقامة أي اقتصاد! فحتى الصين مزجت الرأسمالية في نظامها

لن يطيق أي إنسان أن يعيش في مجتمع رأسمالي بحت؛ لأنه لن يصبح إنسانًا حرًا بل أشبه بالعبد، فلن تهتم الرأسمالية بإعطائك حقك وتأميناتك وأجازاتك المرضية! لذا؛ الحل الأمثل يكمن في التوفيق بينهما، مع مرونة في ترجيح الكفة حسب احتياجات كل مجتمع.

وبنفس الطريقة التي تتصارع فيها الرأسمالية والاشتراكية في محاولة لتحقيق التوازن الاقتصادي، نجد في السياسة الأمريكية تنافسًا مشابهًا بين اليمين واليسار، ممثلين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي كأنهما الأبيض والأسود في لوحة سياسية. لكن هذا التبسيط يخفي حقيقة أن كلا الجانبين يحمل مزيجًا من الأفكار والقيم، وفي تلك الحالة هما لا يمثلان مفهومي الخير والشر؛ بل التضاد. هذه الثنائية السياسية دفعتني للتساؤل عن تأثير كل حزب على القطاع التقني الذي يشكل محورًا مهمًا في عالمنا اليوم.

عندما أشرع في كتابة أي مقال، أبحث كثيرًا حتى يمل البحث مني؛ إذ تتدفق الأفكار كأمواج لا تنتهي. وفي خضم هذا العصف الذهني؛ برز سؤال: تُرى على مدار حكم 46 رئيسًا للولايات المتحدة، هل كان الرؤساء الأفضل من الحزب الديمقراطي أم الحزب الجمهوري؟ لأن القيادة الرشيدة غالبًا ما تنعكس إيجابًا على الاقتصاد، جاءت الإجابة بتقارب ملحوظ بين الحزبين وفقًا للعديد من استطلاعات الرأي.

في مقالنا اليوم، نستكشف قضية محورية في عالم السياسة والتكنولوجيا: أي من الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة يقدم رؤية أفضل للقطاع التقني؟ سنتناول هذا السؤال من خلال تحليل مواقف وسياسات ثلاثة من أبرز الشخصيات السياسية: كامالا هاريس، وجو بايدن، ودونالد ترامب.

قد يتساءل البعض عن أهمية هذا الموضوع، الحقيقة أن التكنولوجيا لم تعد مجرد قطاع اقتصادي، بل أصبحت عنصرًا جوهريًا في النسيج السياسي والاستراتيجي للدول. ففي عصرنا الحالي، تشكل الصناعة التقنية ركيزة أساسية للأمن القومي، وباتت محورًا للصراعات الدولية، كما نشهد في الحرب التكنولوجية المحتدمة بين القوتين العظيمتين: الولايات المتحدة والصين.

يجعل هذا التشابك بين التكنولوجيا والسياسة من فهم رؤية كل حزب وموقفه من القضايا التقنية أمرًا بالغ الأهمية، ليس فقط لمستقبل الصناعة بل لمستقبل العالم بأسره، نظرًا لتمركز التكنولوجيا بشكل كبير في الولايات المتحدة.

أهمية التكنولوجيا في السياسة والاقتصاد الحديث يبقى المقياس اقتصاديًا! تعود أهمية التكنولوجيا بالنسبة للاقتصاد لعقود مضت، فمنذ زمن بعيد، بدأت سفن الشحن العملاقة والطائرات في تغيير وجه التجارة العالمية؛ ما جعل سلاسل التوريد العالمية أكثر كفاءة وسهولة. أدى هذا التطور إلى توسع التجارة الدولية بشكلٍ كبير، مغيرًا ملامح الاقتصاد العالمي. ومع تطور التكنولوجيا الرقمية، ظهرت التجارة الإلكترونية والتسوق عبر الإنترنت، لتصبح موازية للتجارة التقليدية في مقدار الأهمية. لم يقتصر ظهور التجارة الإلكترونية على تغيير سلوك المستهلكين وأنماط الشراء فحسب، بل خلق أيضًا مفاهيم ووظائف جديدة، موسعًا آفاق الاقتصاد ليشمل جانبه الرقمي الجديد.

وبالنسبة للمجال الصناعي والخدمي، فقد أدت أتمتة العمليات إلى تحسين كفاءة الإنتاج وتقليل التكاليف بشكل ملحوظ. هذا التطور كان له وجهان: فمن ناحية، أدى إلى اختفاء بعض الوظائف التقليدية، ومن ناحية أخرى، خلق وظائف جديدة تتطلب مهارات مختلفة، مغيرًا بذلك هيكل سوق العمل. فعل سبيل المثال، قريبًا سنشهد العديد من المصانع التي تعتمد على الروبوتات بالكامل.

عند النظر إلى مسار التطور التكنولوجي نظرةً متفصحة ومتأملة، نجد أن دورة الابتكار أصبحت لا تتوقف؛ إذ غالبًا ما يكون حل التحديات الناتجة عن تقنية معينة هو ابتكار تقنية جديدة! فعلى سبيل المثال الرقاقات الإلكترونية؛ إذ كانت تحتوي على عدد قليل من الترانزستورات؛ مما جعل الحواسيب غيرعملية للاستخدام الواسع، كما أنها كانت بطيئة أيضًا.

فالحل هو في تقنيات جديدة لتصغير حجم الترانزوستورات وبالتالي حجم المساحة التي تشغلها، الذي خلق فرصًا لوجود الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية الآن. فما بدأ حلًا للمساحة الضخمة للحواسيب وبطئها تبعه تحولًا جديدًا في الاقتصاد! وبعض التقنيات، مثل الإنترنت، تبدأ بتأثيرات محدودة ثم تتطور لتحدث ثورة شاملة في الاقتصاد والمجتمع. فالإنترنت، الذي بدأ كوسيلة بسيطة لتبادل البيانات الحكومية، تحول ليصبح العمود الفقري للاقتصاد الرقمي العالمي، مغيرًا جذريًا طرق تواصلنا وعملنا وممارستنا للتجارة.

هذه الدورة المستمرة من حل المشاكل وخلق تحديات جديدة هي محرك أساسي للابتكار والنمو الاقتصادي. كل حل تقني يفتح الباب لإمكانيات جديدة، وهذه الإمكانيات بدورها تخلق تحديات جديدة تتطلب حلولًا مبتكرة. وفي نهاية المطاف، تصب هذه العملية في تعزيز الاقتصاد وتطويره، ومع تطور الذكاء الاصطناعي ومحركات البحث، شهدنا تغييرات جذرية في كيفية الوصول إلى المعلومات واستخدامها. أثرت هذه التطورات بشكل كبير على الاقتصاد والأعمال، وفتحت آفاقًا جديدة للابتكار والإنتاجية، وغيرت طبيعة المنافسة في الأسواق العالمية.

من الجدير بالملاحظة أن الشركات الأعلى قيمة في العالم اليوم هي شركات تقنية؛ إذ تتصدر شركات مثل آبل وميكروسوفت وإنفيديا وألفابيت وأمازون القائمة، بقيم سوقية تقدر بتريليونات الدولارات، متجاوزةً اقصاديات العديد من الدول. ومن اللافت للنظر أن جميع هذه الشركات العملاقة تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها، ما يشير إلى تركز القوة التكنولوجية والاقتصادية في هذا البلد كما أشرنا سابقًا.

ستظل التكنولوجيا الجديدة السبب الرئيسي للتغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. إنها ليست تأثيرًا موحدًا، لكنها تأثير سائد.

وما السياسة دون اقتصاد؟ لنتأمل معًا نشأة الحضارات الإنسانية الأولى، بدأت عندما استقرت مجموعات بشرية في مناطق غنية بمقومات الحياة، فشرعوا في الزراعة والرعي وبناء المساكن. مع نمو هذه المجتمعات، برزت الحاجة إلى التنظيم، فتشكلت الحكومات وظهرت الممالك. هذا التطور كان ضروريًا لإدارة الموارد وحماية الإنتاج، مما تطلب هيكلًا سياسيًا منظمًا لضمان استمرارية المجتمع وازدهاره.

لكي ينجح هذا النظام السياسي، كان لابد من وجود اقتصاد قوي ومزدهر يدعمه. وهنا تبرز العلاقة الوثيقة بين السياسة والاقتصاد. لا يمكن أبدًا اختزال السياسة في الاقتصاد، لكن أيضًا أستطيع قولها صراحة: ما فائدة السياسة دون الاقتصاد؟ الإجابة هي أن الاقتصاد هو ما يجعل للدول ثقلًا سياسيًا مهمًا جدًا؛ فالعالم بأكلمه يهاب الدول ذات الاقتصاد الضخم والمنتعش.

في عالمنا المعاصر، نرى أن الدول ذات الاقتصادات الضخمة تمتلك القدرة على اتخاذ قرارات مؤثرة على المستوى الدولي، ولا يمكن تجاهل مصالحها أو تجاوزها. وعلى رأس هذه الدول تأتي الولايات المتحدة والصين، اللتان تمثلان قطبي الاقتصاد العالمي وتتنافسان على النفوذ العالمي.

هاتان القوتان الاقتصاديتان العظيمتان تتمتعان بوزن سياسي هائل يمكّنهما من التأثير على مصائر دول أخرى بأقل تدخل. وهذا يؤكد أن القوة الاقتصادية هي المحرك الرئيسي وراء الأهمية السياسية والنفوذ العالمي للدول في عصرنا الحالي. تتضح العلاقة التاريخية بين السياسة والاقتصاد، ونستطيع الآن التحدث على الدور الحاسم الذي تلعبه التكنولوجيا في هذا السياق الحديث.

صناعة التكنولوجيا: الورقة التي لا تحترق في لعبة القوى العالمية تأمل معي للحظات في عدد الأجهزة والخدمات والوسائل التقنية التي تستخدمها يوميًا؛ إذ أصبحت التقنية في عصرنا الحالي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. لكن دور التكنولوجيا لم يعد مقتصرًا على تسهيل حياتنا فحسب، بل تطور ليصبح أداة قوية في يد الدول، تتفوق في تأثيرها الأسلحة التقليدية؛ إذ لم تعد الدول بحاجة إليها للفتك بالأعداء وتدميرهم.

أصبحت التقنية الآن سلاحًا استراتيجيًا في الصراعات الدولية، فبدلاً من الحروب التقليدية، يمكن للدول أن تشن هجمات سيبرانية لسرقة المعلومات أو تعطيل البنية التحتية لخصومها. وقد شهدنا مثالاً على مدى هشاشة أنظمتنا التكنولوجية في أغسطس 2024، عندما تسبب تحديث خاطئ من شركة Crowdstrike في تعطيل أنظمة حول العالم؛ مما يوضح الدمار المحتمل الذي قد ينجم عن بضعة أسطر من الكود!

في الوقت الحالي، نشهد ما يُعرف بـ «حرب الشرائح» بين الولايات المتحدة والصين، وهي صراع تكنولوجي يعتبر من أهم المواجهات في العصر الحديث على الإطلاق. تتمحور هذه الحرب حول السيطرة على صناعة أشباه الموصلات، التي أصبحت أداة للضغط والنفوذ الجيوسياسي. بالإضافة إلى ذلك، تلعب التكنولوجيا دورًا متزايدًا في تطوير الأسلحة وتكتيكات الحرب الحديثة. نرى أمثلة على ذلك في استخدام الاحتلال للتقنيات المتقدمة في حربها على غزة، مثل مشروع «لافندر»، وكذلك في الحوادث المأساوية الاخيرة في لبنان، عندما فجر الكيان الصهيوني أجهزة النداء الآلي وأجهزة الاتصال اللاسلكي عن بُعد.

أصبحت التكنولوجيا الآن أكثر من مجرد أدوات للاستخدام اليومي؛ إنها سلاح ودرع في آن واحد. وعلى الدول الاستثمار فيها ليس فقط لأغراض الدفاع أو الهجوم، بل أيضًا لأنها مصدر اقتصادي هائل. في هذا العالم الجديد، أصبح امتلاك القدرات التكنولوجية المتقدمة ضرورة استراتيجية للدول، سواء للحماية أو للتنافس الاقتصادي والعسكري. فالتقنية لم تعد مجرد وسيلة لتحسين الحياة، بل أصبحت عاملاً حاسمًا في تشكيل مستقبل الأمم وموازين القوى العالمية.

لذلك نرى أن القوى الاقتصادية العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، تعتمد بشكل جوهري على الصناعات التكنولوجية كمحرك رئيسي لنموها وهيمنتها العالمية.

جمهوري أم ديمقراطي؟ التنظيم والرقابة: لأي مدى يجب أن تتدخل الحكومة؟ تاريخيًا، يميل الجمهوريون إلى تقليل التدخل الحكومي في البيئة التنظيمية سعيًا لتشجيع الابتكار والنمو، ما قد يؤدي إلى بيئة خصبة للاحتكار. في الوقت الحالي، تستحوذ عدة شركات تقنية على المشهد، وتعمل على الحد من المنافسة قدر الإمكان. فحجمها الهائل واستحواذها على نسبة كبيرة من السوق يعمل على تقليل فرص الشركات الناشئة، بالإضافة إلى عمليات الاستحواذ المتكررة، خاصةً الضخمة منها.

منذ عام 2021، اتخذ منصب مفوض لجنة التجارة الفيدرالية للولايات المتحدة، لينا خان-Lina Khan، للمفوض صلاحيات في مكافحة الاحتكار وحماية المستهلك من أي ممارسات غير عادلة والتنظيم والإشراف على عمليات الاندماج أو الاستحواذ للحفاظ على المنافسة العادلة. منذ اتخاذ خان لذلك المنصب، وهي تعاني من حيتان السوق التقني الأمريكي في إتمام أي صفقة استحواذ؛ إذ أحبطت العديد من الصفقات الكبيرة مثل محاولة ألفابيت للاستحواذ على Wiz التابعة للاحتلال.

آخر صفقة كبيرة لألفابيت كانت شراء شركة الأمن السيبراني Mandiant مقابل 5.4 مليار دولار في عام 2022. وأغلقت ميكروسوفت صفقتها الضخمة بقيمة 69 مليار دولار لشراء Activision في أكتوبر، لكنها استغرقت 20 شهرًا ونزاعًا مطولًا مع المنظمين في الولايات المتحدة وأوروبا.

لذا، فخان مثالية لميول الديمقراطيين؛ إذ يشجعون على تنظيمات أكثر صرامة للشركات التقنية للحماية من الاحتكار، والحفاظ على منافسة عادلة. وفي الواقع، الإجراءات الصارمة لخان هي في مصلحة المستهلك النهائي؛ إذ كلما كبر الحوت كلما تمكن من السيطرة على السوق، بالتالي ارتفاع لأسعار الخدمات والسلع المقدمة للمستهلك. ومع فوز كامالا هاريس، فبقاء خان في منصبها احتمال قويًا جدًا.

والغريب.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه

انتبه: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة نبض ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من نبض ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا