من أين ينفق الإخوان وإعلامهم الموجه من الخارج؟ سؤال منطقى يتردد منذ نحو أكثر من عشر سنوات، هى تلك المدة التى مضت منذ إطاحة الشعب المصرى بحكمهم البائس بثورته العظيمة فى 30 يونيو 2013. والحقيقة تجب التفرقة بين شقى السؤال، فنحن إزاء نوعين من الإنفاق الأول على قيادات الجماعة وأعضائها وبعض من مناصريها القريبين من تيارات مختلفة المقيمين بالمئات خارج مصر، ومعه الإنفاق على أنشطتها وأنشطتهم السياسية الموجهة ضد نظام الحكم فى بلدهم مصر. والنوع الثانى من الإنفاق هو المخصص لإدارة واستمرار جهازهم الإعلامى الموجه بشراسة ومرارة ضد كل ما يجرى فيما يفترض أنها بلدهم.
وقد حاول الدكتور ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، الإجابة عن السؤال على النوع الأول من إنفاق الجماعة غير المخصص لجهازهم الإعلامى، خلال كتابه "الإخوان.. إعلام ما بعد السقوط"، موضحا أن الملاحظة الرئيسية على هذا النوع من الإنفاق للجماعة هى أنه منذ فرار عدد كبير من أعضائها ومناصريها القريبين من مصر وتأسيسهم لمختلف وسائلهم الإعلامية فى الدول التى استقروا فيها، ولم نسمع أو نقرأ أى شكاوى كبيرة أو متكررة عن افتقاد الإمكانات المالية عند كل هؤلاء ولدى كل هذه الوسائل. والحقيقة أن عدم الشكوى من نقص التمويل أو توقفه طوال سنوات عشر سنوات، يعنى ببساطة ودون تأويل أو إضافات أن مصادره عميقة وغزيرة لا تنضب. وتبقى هنا ملاحظة مهمة، وهى أننا وإن كنا لم نرصد شكوى من نقص الموارد المالية، إلا أننا تابعنا - قراءة ومشاهدة واستماعًا - خلال تلك السنوات العشر وعدة مرات خلافات وصراعات علنية تراشق فيها عديد من الإخوان فى الخارج وملتحقيهم بالتهم المتبادلة بالاستيلاء على أو اختلاس بعض مما حصل أشخاص أو مجموعات منهم من تمويلات وحجبها عن آخرين ممن يشتركون معهم فى أنشطة إعلامية.
ولعل الملاحظة الثانية المهمة هنا هى أن الغالبية الساحقة من الفارين خارج مصر من الإخوان وملتحقيهم تتوزع إقامتهم فى تركيا وعدد من الدول الأوروبية وبعضهم فى الولايات المتحدة وكندا، ويقل العدد كثيرًا ويكاد ينعدم فى الدول العربية. ومن المعروف أن تكلفة الإقامة والعيش الدنيا أو المتوسطة فى مثل هذه الدول لبضع مئات فقط وليس آلاف من هؤلاء الفارين، يمكن أن تصل إلى ملايين كثيرة من اليورو أو الدولار شهريًا، وتكتمل هذه الملاحظة بأخرى تتعلق بأن الغالبية الساحقة من هؤلاء أيضًا ليس لديهم أى مؤهلات للعمل فى تلك البلدان لكسب رزقهم، وبصورة عملية فهم "متفرغون" للجماعة التى تتحمل كل تكاليف حياتهم المعيشية هم ومن يصطحب معه أسرته أيضًا، فلم نسمع عن حالة واحد من بينهم لشخص يعمل فى أى مهنة. وتزداد تكلفة الإنفاق على هؤلاء الفارين، بالنظر إلى ما هو معروف ومتداول إعلاميًا من تنقل عدد كبير من قياداتهم ورموزهم - من الإخوان وملتحقيهم - بين مختلف الدول الأوروبية وتركيا والولايات المتحدة وكندا، فى جولات ولقاءات ذات طبيعة تنظيمية وسياسية وأحيانًا إعلامية معادية للحكم فى مصر. ويزداد المشهد وضوحًا وغموضًا فى أن واحد، إذا وضعنا إلى جانب النفقات السابقة ما يخص تمويل أنشطة الجماعة ضد بلدهم فى مختلف بلدان الفرار، من تنظيم مظاهرات ووقفات وعقد مؤتمرات وندوات ووفود متحركة، وأتعاب محامين وقانونيين لتشويه صورة النظام فى مصر، إعلانات ومواد منشورة فى صحف عالمية مرتفعة التكلفة، ومراكز دراسات عملت لخدمتهم.
من الواضح من كل ما سبق، وهو قليل من كثير، أن النوع الأول من إنفاق جماعة الإخوان على إعاشة أعضائها وملتحقيها وبعض أسرهم خارج مصر وبجانبه الإنفاق على الأنشطة السياسية الموجهة ضد الدولة المصرية، يستلزم وجود مصادر مالية كبيرة للغاية يتدفق منها التمويل لهذا النوع الأول من الإنفاق لعقد كامل من الزمان، دون توقف أو شكوى أو خفض، وهو ما يزيد من أهمية وصعوبة الإجابة عن سؤال: من أين ينفقون؟
فجهازهم الإعلامى الموجه بشراسة ومرارة ضد كل ما يجرى فيما يفترض أنها بلدهم، أى مصر. وكما هى العادة مؤخرًا وهى أيضًا الحقيقة فإن الإعلام الإخوانى الموجه من خارج مصر كغيره من إعلام، ينقسم إلى وسائل إعلام باتت تسمى بالتقليدية، وتضم الفضائيات التلفزيونية والصحف والمواقع الإلكترونية، ووسائل إعلام جديدة أو ما يصطلح على تسميتها بإعلام وسائل التواصل الاجتماعي.
وبصورة عامة ومن دون إحصاء دقيق شامل، فإن وسائل الإعلام التقليدية التابعة للإخوان تتركز جميعها خارج حدود العالم العربى وتتوزع بين تركيا وعدد من الدول الأوروبية وبعضها فى الولايات المتحدة وكندا، وهو توزيع متطابق تقريبًا مع مناطق إقامة الفارين من أعضاء الجماعة والمناصرين لها من تيارات أخرى. ويملك الإخوان والملتحقة بهم بصورة مباشرة عدد من القنوات الفضائية يقل عن العشر، ومعها عدد أكبر من المواقع الإلكترونية وعدد أقل من الصحف والمجلات السيارة. وتبدو الفضائيات التلفزيونية هى الأداة الإعلامية المفضلة لدى الجماعة وملتحقيها لبث دعايتهم السوداء نحو مصر، ولذلك فهى وأيضًا بحكم طبيعتها، تعد الأكثر إنفاقا عليها من الإخوان.
فهذه الفضائيات، لها مصروفات تشغيل ثابتة معروفة ويستحيل الاستغناء عنها، من مقرات إدارية، واستوديوهات، وتأجير أقمار اصطناعية للبث منها، وأجهزة وبرامج فنية متعددة من كاميرات ووحدات إضاءة ومونتاج وديكورات ووسائل اتصال هاتفى وإلكترونى واستهلاك كهرباء وطاقة، وغيرها مما لا يمكن بدء البث التليفزيونى ولا استمراره من دونها. ولكى تعمل كل هذه الإمكانات الفنية فلابد بالطبع من وجود الأطقم البشرية التى تديرها، من مذيعين ومعدين ومصورين وفنيين للإضاءة والصوت والمونتاج والجرافيك وغيرهم من تخصصات. ويضاف لما سبق أيضًا تكلفة شراء المسلسلات والأفلام وبعض البرامج الوثائقية، التى تبثها هذه القنوات، وتحصل عليها من مصادر مختلفة. وإذا تم جمع كل هذه المصروفات معًا ولو فى حدودها الدنيا لأمكن بسهولة شديدة تقدير ما ينفقه الإخوان على فضائياتهم التلفزيونية بمئات الملايين من الدولارات أو اليوروهات سنويًا، وهى المبالغ التى تعد منطقية فى سياق مستوى الحياة فى العواصم والمدن التى تتمركز بها سواء فى تركيا أو بعض البلدان الغربية.
ولا يختلف الأمر كثيرًا فى مستوى الإنفاق الإخوانى على المواقع الإلكترونية والصحف والمجلات السيارة التابعة لهم ولأنصارهم. فهنا تختلف بعض بنود الإنفاق، ولكن تبقى المقرات والتجهيزات الفنية والإلكترونية ومصروفات الطباعة والاتصالات، ووراء كل هذا القوى البشرية التى تعد بالعشرات فى كل وسيلة من هذه الوسائل الإعلامية، والذين يتقاضون كما يفعل نظرائهم فى الفضائيات، أجور المحترفين فى سوق عمل غربى يتسم بارتفاعها المنسجم مع تقدم دوله واحتياجات المعيشة فيها.
وما يؤكد فداحة الإنفاق الإخوانى على وسائل الإعلام التقليدية الموجهة ضد مصر، هو أن كل هذه المصروفات عليها، من فضائيات ومواقع إلكترونية وصحف ومجلات، لا يقابلها شيء تقريبًا من الإيرادات التى تتمثل فى هذا المجال بالإعلانات المدفوعة، والتى من المفترض أن تغطى جزءًا معقولًا على الأقل من المصروفات، لكى تكمل الوسيلة بقائها بصورة اقتصادية ومالية طبيعية، فلا إعلانات صريحة تذكر ولا رعاية إعلانية لبرامج أو فقرات توجد، وليس هناك من شيء سوى الإنفاق ثم الإنفاق بلا توقف أو شكوى.
انتبه: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.